الفرق بين الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر وبين تغيير المنكر - محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى - كن مع الله

أحدث المشاركات

Post Top Ad

Post Top Ad

Sunday, August 16, 2020

الفرق بين الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر وبين تغيير المنكر - محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى


يقول العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى
 في شرح العقيدة السَّفّارينية :

181- فاصبر وزل باليد واللسان            لمنكر واحذر من النقصان
______________________________________________
الشرح
قوله رحمه الله  : ( فاصبر ) ، الصبر : حبس النفس عن التسخط وعن الحجام ، فلا تحجم ولا تتسخط ، وهذا مأخوذ من قوله تعالى : في سورة لقمان : (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (لقمان:17)  فلابد من صبر .
وإنما أمر الله بالصبر عند ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إشارة إلى أن  الآمر والناهي سوف يلقى الأذى ، وربما يلقى الضرر ، فيقال للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر مثلاً : هذا متشدد ، هذا مطوع ، ويقال هذا على سبيل السخرية ، وسيتكلم الناس عليه بكلام كثير .
فموقف الآمر الناهي في ذلك كله هو الصبر ، وليعلم أنه ما أوذي أذية في ذلك إلا كتب الله له فيها أجراً ، وقربه إلى العاقبة الحميدة ، لأن الله تعالى قال : (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) (هود:49) .

وكلما اشتد الأذى قرب الفرج ، ومعنى قرب الفرج : أن يفرج الله عنه معنى وحساً ، أما التفريج حسا فظاهر ؛ بأن يزول عنه الكبت والمنع والأذى ، وأما معنى - وهو أهم - فبأن يشرح الله صدره ، ويعطيه الطمأنينة في قلبه ، ويصبر ويحتسب ، ويرى العذاب في ذات الله عذباً.
ويقال إن شيخ الإسلام رحمه الله لما حبسوه وأغلقوا عليه الباب ، قال ( فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ)(الحديد: الآية13) وقال رحمه الله  : (( ما يصنع أعدائي بي ؛ إن حبسي خلوة ، ونفيي سياحة ، وقتلي شهادة )) أي حال يفعلونها بي فهي خير لي.
وهذا أيضاً مما يفرج الله به عن الإنسان إذا كبت وأوذي وعذب في ذات الله ، فمن أقوى التفريج عنه أن يشرح الله صدره لما وقع عليه ، وكأن شيئاً لم يكن .
لذا نقول للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر : اصبر على الأذى فالفرج قريب ، ولا تيأس من رحمة الله ، أنت تقاتل بسيف الله ، وإنك تدعو بدعوة الله ، فاحتسب ، ولو شق عليك نفسياً أو جسمياً فاصبر واصبر .
قوله(وزل باليد واللسان) زل أصلها أزل (لمنكر واحذر من النقصان) هذا مرتبة أخرى غير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه هي مسألة التغير ، والتغير ليس كالأمر والنهي .
ولكي يتبين لنا الفرق بين الأمر أو النهي والتغيير نضرب مثالاً بشخص رأى آخر معه زمارة من آلات اللهو ؛ يزمر بها ويرقص عليها ، فقال له : يا فلان اتق الله ، هذا حرام ولا يحل ، فهذا نسميه نهياً عن المنكر ، وإذا جاءه مرة أخرى فرآه أيضاً معه الزمارة فأخذها وكسرها ، فهذا يسمى تغييراً ، إذاً فمقام المغير أقوى من مقام الآمر والناهي .
وكذلك إذا رأيت رجلاً لايصلي مع الجماعة مع وجوبها عليه ، فقلت له : يا أخي اتق الله وأقم الصلاة مع المسلمين ، فهذا يسمى أمراً بالمعروف ، ثم إذا جئت مرة ثانية ووجدته لم يخرج من بيته فقرعت الباب عليه ، فإذا أبى كسرت الباب ثم جررته إلى المسجد ، فهذا تغيير .
لكن هذا الأخير ليس كل أحد يطيقه على خلاف الأول ، فكل أحد يطيقه إلا ما ندر ، ولهذا جاء التعبير النبوي : (( فإن لم تستطع )) ولم يأت حديث واحد فيه : ( مروا بالمعروف فإن لم تستطيعوا ) فدل ذلك أن التغيير شيء والأمر شيء آخر .
وقوله : ( فاصبر وزل باليد واللسان ) واليد في وقتنا هذا لا تكون إلا من ذي سلطان ، وإنما كان الأمر كذلك لئلا يصبح الناس فوضى .
وعلى كل حال فنحن نقول : إن التغيير شيء لا يكون إلا من ذي سلطان وهو حق ؛ لأنه لو جعل التغيير باليد لكل إنسان لأصبح من رأى ما يظنه منكراً منكراً عنده ، فأتلف أموال الناس من أجل أنه منكر ، فمثلاً يرى بعض الناس أن المذياع منكر ، فإذا مر هذا برجل قد فتح المذياع يسمع الأخبار ، وقلنا غير باليد ، فإنه يكسر المذياع مع أنه ليس له حق في أن يكسره .
فلو جعل التغيير في وقتنا الحاضر لغير ذي سلطان لأصبح الناس فوضى ، وتقاتل الناس فيما بينهم .
ومنذ سنوات حدث أن دخل حاج من الحجاج إلى مسجد مطار جدة ومعه مذياع ، فقام رجل حبيب طيب ينهى عن المنكر أمام المصلين ، وقال : نعوذ بالله ؛ يأتي أحدكم بالمذياع مزمار الشيطان ويجعله معه في المسجد ... وهو مذياع فيه تسجيل . فهذا لعله يسمع أخباراً يسجلها تنفعه ، فقام الحاج يتكلم كلاماً عظيماً منبهراً : هل هذا حرام؟! نحن جئنا لنحج ولا نبتغي الحرام.
فقلت لهم : اطمئنوا فإنه حلال إن شاء الله ، لكن إياكم أن تفتحوه على الأغاني والموسيقى ، فإن هذا حرام ، أما الأخبار والقرآن والحديث فهذا ليس فيه شيء ، فالقرآن والحديث طيب والأخبار من الأمور المباحة ، فأقول : إن بعض الناس يظن ما ليس منكراً منكرا ، فلو قلنا : غير باليد ، كسر هذا المذياع أو المسجل أو الذي يرى أنه منكر .
ولهذا نقول : الإزالة باليد أو التغيير باليد في الوقت الحاضر لايكون إلا من ذي سلطان ، والسلطان من أعطاه ولي الأمر صلاحية في ذلك ، وعلى هذا فرجال الحسبة الموجودون عندنا يكون لهم السلطة .
وقوله : ( فاصبر ) ، اصبر أمر بالصبر ، لأن  المقام يحتاج إلى الصبر ولهذا قال الله تعالى : (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ)
.... وزل باليد واللسان           لمنكر واحذر من النقصان
هذه مراتب التغيير غير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقد سبق أن هناك ثلاث مراتب ؛ الدعوة والأمر والنهي والتغيير .
فالدعوة أن يدعو الإنسان إلى الله عز وجل ترغيباً وترهيباً ،دون أن يوجه أمراً معينا لشخص معين ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو ما يوجه إلى شخص معين أو طائفة معينة وما أشبه ذلك ، لكن فيه أمر ؛ افعلوا ، اتركوا .
فلو قام رجل بعد صلاة الظهر مثلاً يدعو الناس ، ويرشدهم إلى الله ؛ يبين الحق ويرغب فيه ويبين الباطل ويحذر منه ، فإن هذا يقال : إنه داع إلى الله ، ولو رأينا رجلاً يقول لشخص : يا فلان افعل كذا ، يا فلان اتق الله ، اترك كذا ؛ فإن هذا آمرٌ وناهٍ.
أما التغيير فهو أن يغير الإنسان منكراً بنفسه ، بأن يكون دعا صاحب المنكر إلى تركه ولكن أبى ، أو أمر تارك المعروف أن يفعله ولكن أبى ، فهذا يغير ؛ بأن يُضرب ويحبس ويكسر آلة اللهو وما أشبه ذلك .
وقد قيد الرسول عليه الصلاة والسلام التغيير ، ولم يقيد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قال : (( والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطرا )) ، وما قال : إن استطعتم ، لكن قال : (( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه))
إذاً فالتغيير غير الدعوة والأمر أو النهي ؛ فالتغيير فيه سلطة وقدرة ، والأب في بيته داعٍ آمر مغير ، لأن له سلطة ، ورجل الحسبة في المجتمع داعٍ وآمر ومغير ، لكن ليس التغيير لكل أحد ، فما كل أحد يستطيع أن يغير ، فقد يغير الإنسان ويلحقه من الضرر ما لا يعلمه إلا الله ، بل يلحق غيره أيضاً ممن لم يشاركه في التغيير كما هو الواقع .
ولهذا قال المؤلف رحمه الله  هنا : ( زل باليد ) أي غير باليد ، فإن لم تستطع قال : ( واللسان ) ، والمؤلف رحمه الله  رتبها ترتيباً محلياً لا لفظياً ، فلم يأت بثم الدالة على الترتيب ، أو بالفاء ، أو ما أشبه ذلك ، لكن تقديم بعضها على بعض يدل على الترتيب ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن الصفا والمروة من شعائر الله . أبدا بما بدأ الله به ))، مع  أن الله قال : (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ )(البقرة: الآية158) ولم يقل ثم المروة . إذاً فالأول : التغيير باليد ، والثاني : التغيير باللسان .
والتغيير باللسان ليس أن تقول : يا فلان لا تفعل هذا اتق الله ، بل أن تنتهره ، وأن تريه سلطة وقدرة استعلاء بالحق ، فهذا التغيير باللسان .
ثم قال المؤلف رحمه الله  : ( لمنكر واحذر من النقصان ) - النقصان هو أن تغير بالقلب ؛ لأنه اضعف الإيمان . لكن هل الإنسان يمكن أن يغير بالقلب ؟ ، الجواب : نعم ، يمكن ؛ بالكراهة للمنكر وعدم مخالطة فاعليه ، لقول الله تبارك وتعالى : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ )(النساء: الآية140) إنكم إذاً - أي إذا قعدتم - مثلهم .
فإذا فرضنا أن قوماً يلعبون الشطرنج ومعهم رجل صالح ، فقال : يا قوم اتقوا الله ، هذا حرام لا يجوز ، قالوا : لن ندع هذا ، فلا يجوز أن يجلس معهم ، لكنهم إذا قالوا له : إن خرجت سنفعل بك كذا وكذا فجلس ، فلا يأثم لأنه مكره على الجلوس ، فإن قال : أنا لم اكره على الجلوس لكن أخشى إن ذهبت أن يقع بيني وبينهم عداوة ، فإننا نقول له : وليكن ، إنك إذا عاديتهم لله ، فإنه لا يضرك ، فإن قال : أخشى أن يقع بيني وبينهم قطيعة رحم ، فنقول : لا يقع بينك وبينهم قطيعة رحم ، صلهم أنت فإن صلة الرحم من قبلك ممكنة ، وليست متعذرة ، وأنت إذا وصلتهم وهم يقطعونك فكأنما تسفهم المل ، كما جاء في الحديث .
فالحاصل أن التغيير له ثلاث مراتب ؛ الأول باليد والثاني باللسان والثالث بالقلب ، ومعنى التغيير بالقلب : الكراهة وعدم المخالطة .
--------------------
محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى
المصدر: شرح العقيدة السفارينية
الباب السادس : في ذكر الإمامة ومتعلقاتها ، فصل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
http://www.ibnothaimeen.com/all/books/printer_18172.shtml
المصدر : https://hadihisabili.blogspot.com/

No comments:

Post a Comment

Post Top Ad

تواصل معنا

أكثر من 600,000+ يتابعون موقعنا عبر وسائل التواصل الإجتماعي إنظم إلينا الآن

الأحاديث

عن الموقع

author عظمة الاسلام <<  الحمد لله الذي من علينا بنعمة الإيمان ورحمنا ببعثة خير الأنام سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام. إن الإسلام دين جامع لكل معاني الكمال في كل جوانب الحياة، وناظم لكل أفراد ...

اعرف المزيد ←

نموذج الاتصال

Name

Email *

Message *