في تعظيم حفظ العلم - درة غالية للإمام ابن الجوزي - كن مع الله

أحدث المشاركات

Post Top Ad

Post Top Ad

Friday, August 28, 2020

في تعظيم حفظ العلم - درة غالية للإمام ابن الجوزي

فصل[في تعظيم حفظ العلم]
الإمام ابن الجوزي


إعلم أن المعلم يفتقر إلى دوام الدراسة ، و من الغلط الإنهماك على الإعادة ليلاً و نهاراً، فإنه لا يلبث صاحب هذه الحال إلا أياماً ثم يفتر أو يمرض.

و قد روينا أن الطبيب دخل على أبي بكر بن الأنباري في مرض موته ، فنظر إلى مائة كتاب و قال : [ قد كنت تفعل شيئاً لا يفعله أحد ] ، ثم خرج فقال : [ ما يجيء منه شيء ] ، فقيل له : [ ما الذي كنت تفعل ؟ ] قال : [ كنت أعيد كل أسبوع عشرة آلاف ورقة ] .
و من الغلط تحميل القلب حفظ الكثير أو الحفظ من فنون شتى ، فإن القلب جارحة من الجوارح ، و كما أن من الناس من يحمل المائة رطل ، و منهم من يعجز عن عشرين رطلاً ، فكذلك القلوب .

فليأخذ الإنسان على قدر قوته و دونها ، فإنه إذا استنفدها في وقت ضاعت منه أوقات.
كما أن الشره يأكل فضل لقيمات فيكون سبباً إلى منع أكلات.

و الصواب أن يأخذ قدر ما يطيق و يعيد في وقتين من النهار و الليل ، و يرز
قه القوى في بقية الزمان ، و الدوام أصل عظيم .

فكم ممن ترك الاستذكار بعد الحفظ فضاع زمن طويل في استرجاع محفوظ قد نسي .
و للحفظ أوقات من العمر فأفضلها الصبا و ما يقاربه من أوقات الزمان ، و أفضلها إعادة الأسحار و أنصاف النهار ، و الغدوات خير من العشيات ، و أوقات الجوع خير من أوقات الشبع .
و لا يحمد الحفظ بحضرة خضرة و على شاطئ نهر ، لأن ذلك يلهي .
و الأماكن العالية للحفظ خير من السوافل .
و للخلوة أصل ، و جمع الهم أصل الأصول .
و ترفيه النفس من الإعادة يوماً في الأسبوع ليثبت المحفوظ و تأخذ النفس قوة كالبنيان يترك أياماً حتى يستقر ثم يبني عليه .
وتقليل المحفوظ مع الدوام أصل عظيم ، و ألا يشرع في فن حتى يحكم ما قبله .
و من لم يجد نشاطاً للحفظ فليتركه ، فإن مكابرة النفس لا تصلح .
و إصلاح المزاج من الأصول العظيمة ، فإن للمأكولات أثراً في الحفظ .
  • قال الزهري : [ ما أكلت خلاً منذ عالجت الحفظ ] .
  • و قيل لأبي حنيفة : بم يستعان على حفظ الفقه ؟ قال : بجمع الهم .
  • و قال حماد بن سلمة : [ بقلة الغم ] .
  • و قال مكحول : من نظف ثوبه قل همه ، و من طابت ريحه زاد عقله ، و من جمع بينهما زادت مروءته .
و أختار للمبتدي في طلب العلم أن يدافع النكاح مهما أمكن فإن أحمد بن حنبل لم يتزوج حتى تمت له أربعين سنة ، و هذا لأجل جمع الهم .
فإن غلب عليه الأمر تزوج و اجتهد في المدافعة بالفعل لتتوفر القوة على إعادة العلم .
ثم لينظر ما يحفظ من العلم ، فإن العمر عزيز ، و العلم غزير .


و إن أقواماً يصرفون الزمان إلى حفظ ما غيره أولى منه ، و إن كان كل العلوم حسناً ، و لكن الأولى تقديم الأهم و الأفضل .

و أفضل ما تشاغل به حفظ القرآن ثم الفقه ، و ما بعد هذا بمنزلة تابع ، و من رزق يقظة دلته يقظته فلم يحتج إلى دليل ، و من قصد وجه الله تعالى بالعلم دله المقصود على الأحسن( و اتقوا الله و يعلمكم الله) .
-----------------------
كتاب صيد الخاطر - ص :225.
 للإمام ابن الجوزي
المصدر : https://hadihisabili.blogspot.com/

No comments:

Post a Comment

Post Top Ad

تواصل معنا

أكثر من 600,000+ يتابعون موقعنا عبر وسائل التواصل الإجتماعي إنظم إلينا الآن

الأحاديث

عن الموقع

author عظمة الاسلام <<  الحمد لله الذي من علينا بنعمة الإيمان ورحمنا ببعثة خير الأنام سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام. إن الإسلام دين جامع لكل معاني الكمال في كل جوانب الحياة، وناظم لكل أفراد ...

اعرف المزيد ←

نموذج الاتصال

Name

Email *

Message *